لا.. لَم يَنسَاكِ
أَتَيتُ لِتَكونَ لَهُم حَياةٌ وليَكونَ لَهُم أفضَل (يو 10:10)
قَد تَرَكَنى الرَبُ ..
هَكَذا صَرَخَت بِمَرَارَة وَهِىَ تَرَى نَفسَها عاجِزَة عَن الخُروجِ مِن الدائِرَة المُظلِمَة التى إِلتَفَت حَولَها..
كَانَت لَها مِن قَبل عِلاقَة حَيَة مَعَ الرَب يَسوع .. كَم مِن أَوقَاتٍ حُلوَة قَضَتهَا جَالِسَة عِندَ قَدَمَيِهِ تَقرَأُ فى كِتابِهِ أو واقِفَة لِتُصَلى أَمَامَهُ أو عَابِرَة بِشَوارِع وأزِقَة لِتَفتَقِد أَحِبَاءَهُ.. آَه أَيَةُ أَيامٍ جَميلَة عَاشَتهَا بَينَ العِبادَة والخِدمَة.. لَقَد إِختَبَرَت قُوَةَ الإِيمَان وبَهجَةَ التَسبيح وجَمال الشَرِكَة مَعَ الله.. لَكِن وَأَسَفاه.. ثِمَةَ شَئٍ خَطير قَد حَدَثَ غَيَرَ مِن أَحوَالِها ونَزَعَ مِنهَا إِبتِسَامَتِها التى تَعَودَ الناس رُؤيَتَها مُرتَسِمَة عَلى وَجهِهَا.. آَه لَم تَعُد تَشعُر بِحِضور الله.. دَخَلَ الحُزنُ أَعمَاقِها وبَدأَ يَزدَادَ كُلَما تَذَكَرَت الأيامَ الأولَى وكُلَما مَالَت بِتَفكِيرِها إلى مُقَارَنَة نَفسَها بِغَيرِها..
مَاذا حَدَثَ ؟
هَل سَقَطَت فى خَطِيَة وإِستَمَرَت تُخطِئ مُستَسلِمَة لَهَا ؟.. أََم أَخطَأَ فى حَقِها بَعضُ أَحِبائِها ثُمَ جَاءَ رَدُ فِعلها مُخالِفاً لِمَشِيئَة أَبيها السَمَاوى فَدَخَلَت الظُلمَة حَياتُها ؟.. أَم هِىَ ظروف لَم تُواجِهَها بِنور الإِنجِيل فَأَزعَجَتَها وأَيقَظَت فِيها مَخاوِف دَفينَة ومَتاعِب نَفسِيَة قَديمَة لَم تُصَفِيهَا مِن قَبل أَمام عَرش النِعمَة..
ايا كان السبب فالحقيقة إن إبليس هو العدو الخفى الذى إستثمر كل ما حدث.. لقد نجح فى أن يحول عينيها عن الرب يسوع عن حبه لها عن خدمته.. حول عينيها إلى ذاتها إلى آلامها ومشاكلها.. يا للأسف لقد سقطت فى شباكه وبدأت تشفق على نفسها وتطلب شفقة غيرها.. ولم تدر إنها بهذا قد توغلت داخل الممر المظلم الذى ينتهى بهاوية اليأس..
ياإلهى ..
هل حقا تركتها.. ؟ أهى محقة فى صرختها: "لقد تركنى الرب .."(أش 14:49) ؟..
هل أوصدت أمامها كل أبواب الأمل ؟..
أه أيتها النَفس الحبيبة .. إن نظرت إلى الله من خلال ظروفك الصعبة وعثراتك بل وحتي أخطائك الكريهة فإنك هكذا ستفكرين.. لكن إذا نظرت إلى كل متاعبك من خلال إلهك المحب فأن النتيجة التى ستصلين إليها ستكون مختلفة ملئوها السلام والنصرة..
صديقتي دعينى أشرح لك الأمر بأكثر وضوح بتأملنا كلينا فى واقعة سجلها الكتاب المقدس فى الأصحاح 49 من سفر أشعياء.. فدائما الكتاب هو النور اللامع الذى يحمينا من التيه ويحفظنا من خداعات إبليس الماكرة..
والاصحاح إنما يتحدث عن شعب الله المأسور فى بابل.. كم كان بائسا؟.. عشرات السنوات قد مرت منذ أن سباهم الأعداء إلى بابل.. مئات الكيلومترات تفصلهم عن يورساليم مكان عبادتهم شهوة القلب والعين.. مكان الفرح والمجد.. صحراء وجبال فى الطريق إليها.. حواجز ضخمة.. لا أمل فى الهروب.. لا أمل فى العودة.. ويورساليم نفسها لقد صارت أطلالا مخيفة حتى أن نحميا حين زارها بعد سنوات قليلة لم يقدر أن يتجول فيها راكبا على دابته (نح 14:24) ..
أمور شعر معها الشعب بالاحباط.. وخرجت من قلوبهم الصرخة الأليمة: "قد تركنى الرب"
وأجاب الرب ..
بماذا أجاب الرب على يأسهم .. أيوجد بعد طريق يعيد به شركته معهم من جديد ؟
هل تعود لهم إبتسامة الأمل من جديد.. مرة ثانية؟
نعم.. نعم.. هكذا أجابهم الله بأن كشف لقلوبهم أعماق حبه لهم.. الله يحبنا جدا جدا.. وحين نثق فى هذا الحب ونرى تحت ضوئه فشلنا وضعفنا ومشاكلنا فإننا سنرى كل هذا بطريقة مختلفة.. تجعلنا نرتفع فوقه ونتحرر من الشفقة على ذواتنا.. وننتصر على الاكتئاب.. إنها رسالته لك أيتها النفس التي لم يعد لك شركة معه في حبه وسلامه.. وهي أَيضاً رسالة لكل إبن له فقد أحلامه فى إختبارات روحية مجيدة وإستعبد لفكرة إنه قد أصبح بعيدا عن أى إحتمال للشفاء.. لهذا يقول الرب الإله إن حبه العظيم هو العلاج لزوال الرجاء عند أولاده..
هُنا أشرق نور للنفس المحبوبة صديقتي..
وصارت لحالها تناجي حبيبها.. فقالت:
أيها الروح القدس.. ياروح الحب النارى..
ليس لى آخر سواك يكشف لى عن الحب الالهى.. إكشفه لقلبى.. وقلب كل محتاج مثلي..
هذا الحب الذي خبرته.. ولازلت أَتطلع إليه كما لأول مَرة.. فترأي لي هكذا:
(1) حب لا نظير له
حب الله الذي يسمو عن أى حب آخر.. الشعب المأسور فى بابل صرخ "سيدى نسينى"(أش 14:49).. فأجبته يارب بكلمات ما أثمنها.. كلمات تسحق كل إفتراءات إبليس التى تشككنا فى محبتك يا أبانا السماوى.
لقد قلت: "هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم إبن بطنها.. حتى هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك"(أش 15:49).
كم تحب الأم أطفالها.. وكم يظهر حبها متألقا على نحو خاص وقت آلامهم..لا تبتعد عنهم ..تسهر بجوارهم .. تنفق بلا حدود لأجل راحتهم.
آه إن هذا الحب العظيم ليس سوى إنعكاس باهت لحبك الإلهي العظيم.. فالأم قد تنسى ..أما أنت فيستحيل أن تنسى أولادك..
قد يتنكر الأصدقاء.. أو يتخلى عني الأقرباء.. وربما حنان الأسرة أفتقد.. لكنك أثبت لي وتثبت المرة تلو الأخري أنك مختلف في حبك وإخلاصك.. فقط أن أصدق لأختبره دوما.. وعندها أقول بكل الصدق معبرا مع من سبقوني: "أبى وأمى قد تركانى والرب يضمنى"(مز 10:27)
"محبة أبدية أحببتك من أجل ذلك أدمت لك الرحمة"(أر 3:31).
لقد حملت خطاياي.. كل خطاياي..
تحملت عقوبتها كاملة.. مت بدلا عني..
مت لتكون لي حياة أبدية..
إنه حب متسع كأتساع المحيط.. عميق كعمق مياه البحار.. مرتفع كإرتفاع السماء هو حب غير محدود لأنه ببساطة حب الاله اللا محدود.. لم ولن يحبك شخص آخر مثلما يحبك هو..
آه كم نحتاج أن نترك مشاعرنا تتأثر بهذا الحب.. إذ متى إستسلمنا له أجرى تغييرات ضخمة فى حياتنا.. آه كم نحتاج أن نصلى للروح القدس.. ياروح الله أسكب بغزارة محبة السيد المسيح فى قلوبنا..
(2) حب لا يقهر
آه كم أحزنك يا روح الله الوديع بشدة حين أقتنع بأن مشاكلي لن تحل.. وأن حياتي الروحية لن تعود قوية كما كانت من قبل.. وأنني لن أتعزى مرة أخرى.. ولكنني الأن أثق إن حب سيدي يسوع منك في دائما منتصر يقهر كل ما يدفعنا إلي اليأس..
يورساليم .. مكان أفراحه صارت خربه.. كل شئ يبدد الأمل.. كل شئ أسود أسود.. لكن لننظر معا ماذا يقول الرب ليورساليم: "أسوارك أمامى دائما"(أش 16:49).. نعم أنت أطلال ولكننى أراك بأسوارك العالية.. أنت الآن فى عار ولكننى أنظرك فى مجد.. نعم هذه هى صورتك التى أراها دائما فى قلبى.. ثقى فى لن تظلى كما أنت..
أيتها الغالية لا تدع العدو يحزن قلبك باليأس الذى ينشئ موتا.. أنت ترى الخراب أما الله فينظر إلى الأسوار .. أنه يشاهدك فى وضعك الذى ستصيري إليه حينما تتمم نعمته الغنية عملها فيك.. ثق فى حبه.. إنتظره حتى ينتهى من إعادة تشكيلك ولن تكوني كما أنت الآن..
جبال الإعاقة..
جبال شامخة وصحراء شاسعة كانت تفصل بين بابل مكان أسر الشعب ويورساليم موضع تعزيتهم.. وكان الشعب ينظر لهذه الصعاب فيصاب بالأحباط.. ولكن الذي القادر علي كل شيء قال: "أجعل كل جبالى طريقا .."(أش 11:49).. وكأني به يطمئن شعبه ويقول: شعبى لن أزيل من أمامكم هذه الجبال.. سأفعل ما هو أعظم.. سأجعل هذه الجبال التى ترعبكم بين يدي.. أدواتى التى أستخدمها للتعبير عن حبى لكم.. لا لن تعوق هذه الجبال عودتكم.. ستصبح طريقكم إلى اختبارات جديدة لمحبتى.. فكثيرا ما أستخدم الجبال التى تواجهكم من إجل تنقيتكم.. إنها تصير جبالي أنا.. كل جبالكم وليس واحدا هي جبالى.. إلتفتوا إلي يا كل الأرض وإخلصوا..
أه يا صديقتى.. كم نحتاجا كلينا أن نلتفتا إلى الرب يسوع ونقولا له: هذه الصعاب التى نواجهها هى جبالك أنت.. أعطنا أن أثق أنك ستحولها إلى طريق نصل منه إلي فيض بركاتك التى لاتقدر بثمن..
(3) حب يحرر
وكشف الله لشعبه عن جانب آخر لحبه.. أنه حب يحرر.. كان الشعب مأسورا فى قبضة عدو عاتي مذل.. وكان لسان حاله يقول: "هل تسلب من الجبار (ملك بابل) غنيمة وهل يفلت سبى العاتي"(أش 24:49).. وكم كان الرد الإلهي عظيم.. كان هكذا: "حتى سبى الجبار يسلب وغنيمة العاتى تفلت.. وأنا أخاصم مخاصميك وأخلص أولادك"(أش 25:49).
أه يا صديقتي ربما يكون إبليس قد نجح نتيجة لإستهتارك السابق وإنزلاقك إلى الخطية فى أن يستعبدك.. قد تكوني عبدة لخطية جنسية أو ميل عاطفى ليس من الله أو لإدمان أو لمحبة المال أو لحب المديح من الناس أو للبغضة لأشخاص معينين.. وربما حاولتي الخروج من هذه العبودية ولكنك وجدت نفسك وهي تعود لها مرة أخرى ومرات.. ولكن إنتبهي هوذا سر عظيم.. فى كل مرة تشعرين فيها بفشلك رجاء إلتفتي مئة مرة للرب يسوع وأمتلئ قوة من كلماته: "حتى سبى الجبار يسلب".. المسبي هو أنت والجبار هو الشرير من سباك وفوق الكل الرب يسوع الذي يحررك من الجبار.. هو أقوى من إبليس والخطيه.. هو يحبك ويشعر بمعاناتك ..تمسكي به.. إشبعي منه.. لأنه سيأتى الوقت الذى تتمتعين فيه بالنصرة علي كل ما كان يقهرك..
(4) حب ثابت
فى العهد القديم عندما كان الرجل يطلق زوجته كان يتحتم عليه أن يعطيها كتاب طلاق وإلا حسب طلاقه ناقصا.. وعندما سبى شعب الله إلى بابل وطال سبيهم لنحو سبعين عاما تصوروا أن الله قد نسيهم.. وشبهوا أنفسهم بالزوجة المطلقة المنسية والمهجورة.. لكنهم كانوا كالكثيرين لا يعرفون قلب الله.. ولكن ليس هكذا.. لم يطلقهم الله.. وها هو بحبه يتحداهم قائلا: "أين كتاب طلاق أمكم التى طلقتها"(أش 1:50).. إننى لم أطلقكم بل أنتم الذين تركتمونى وأحببتم الظلمة.. أننى لازلت أحبكم وفى إنتظار عودتكم.. إن حبي لن تغيره تصرفاتك.."هوذا على كفى نقشتك"(أش 16:49).
أنت منقوشة على كفي.. وأى يد يدي ..؟.. إنها يد القوة المطلقة التى تمسك بكل الأمور.. نعم هى حقا هكذا.. ويمكنك أن تري نقشك (Engraved) كما رأه توما بالعلية.. بل وأكثر بجنبي من بعد القيامة.. يد المحبة التى تحمل إلى الأبد أثر المسمار.. المسمار الذى إنغرس فى لحمي ونفذ منه ليربط جسدي بخشبة العار.. بالصليب لأموت بدلا عنك.. إنه حب إلهي لا يتغير أبدا.. خطاياكى التى فعلتها لن تقلل محبتي لك.. أخطأ بطرس إذ أنكرني أمام جارية وبكى بكاءا مرا.. لقد جرح قلبي وقلبه بجرح عميق.. لكن حبي له لم يتغير.. طلبت من أجله قبل أن يضعف.. ومن بعد القيامة أرسلت له خصيصا لأشدد من أزره.. ثم تقابلت معه معلما إياه أن خطيته قد طرحت فى بحر النيسان.. وإذ رأني صار فرحه كاملا.. حبي للخطاة لا ينقص بسبب خطاياهم.. ولكني أتألم لضعفاتهم.. إنني لازلت ألوح لهم بيدي المثقوبة.. إنني أنادي قائلا وسأظل: تقدموا إلي بغير تردد.. إنني عطشان لتوبتكم.. سأغسلكم من خطاياكم بدمي الثمين.. وأكثر سأعوضكم عن السنين التى أكلها الجراد.. وأجدد أذهانكم بكلمات إنجيلي وعمل روحي فيكم.. وسيشبع كل واثق في بسكيب حبي.. أعطي جسدي القائم خبز حياة ودمي عربون حب يدوم.. روحي فيكم سيهزم ضعفكم.. وسيحولكم الى شهود لي كارزين بإسمي إلي كل المسكونة..
أمـــين.