أثار إعلان منشق عن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية تشكيل كنيسة جديدة للأقباط ردود أفعال واسعة بين المفكرين والسياسيين المصريين من تيارات مختلفة.
فقد رأى قسم منهم أن الانشقاق الطائفي "لعبة أمريكية" لتفتيت مصر وتحويلها إلى دولة طوائف على الطراز اللبناني، فيما اعتبر آخرون أن الانشقاق دليل على ضعف الإدارة المصرية في مواجهة واشنطن التي منحت الكنيسة المنشقة صك الإشهار.
ورسَّم الأنبا مكسيموس نفسه أول يوليو الجاري رئيسا لأساقفة المجمع المقدس للمسيحيين الأرثوذكس في مصر التابع للمجمع المقدس للمسيحيين الأرثوذكس في أمريكا، مشيرا إلى أنه يحمل "رسالة من أجل الإصلاح في مصر".
واتهم الآباء ورجال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية الأنبا مكسيموس بأنه خارج عن الشرعية الكنسية، ولا يمثل الشعب القبطي الأرثوذكسي.
وصرح الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة والمتحدث الرسمي باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للصحفيين أن الأنبا مكسيموس يوحنا غير تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية حاليا.
وقال: "لا نستطيع أن نصفه بالمنشق عن الكنيسة؛ لأن منشق تعني أنه كان بها وانشق عليها".
وكشف الأنبا مرقس أن رأي الكنيسة "أرسلته إلى اللواء إسماعيل الشاعر مساعد وزير الداخلية ومدير أمن القاهرة، أوضحت فيه رفض مكسيموس ونشاطه داخل الأراضي المصرية".
وتخرج الأنبا مكسيموس (ماكس ميشيل) في الكلية الإكليركية لدراسة علم اللاهوت المسيحي، ولأسباب تتعلق بخلاف على العقيدة أصدر البابا شنودة راعي الكنيسة القبطية المصرية قرارا بحرمانه.
وسافر الأنبا مكسيموس بعد قرار الحرمان إلى الولايات المتحدة، وقضى بها عدة سنوات عاد بعدها منذ فترة قصيرة ومعه خطاب توصية من كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية تعترف بكنيسته الجديدة، و"توصي السلطات المصرية بتسهيل مهمة إنشائها" بحسب مصادر سياسية مصرية عليمة
تطوير خطير
وحمل صليب ساويرس عضو المجمع الملي في الكاتدرائية (أعلى لجنة دينية في الكنيسة المصرية) مسئولية هذا الانشقاق على الحكومة، وقال: "اعترفت الحكومة بكنيسة ماكسيموس، رغم انشقاقها على الكنيسة الأم، تنفيذاً لأوامر أمريكية، بينما البابا شنودة رفض الاعتراف بها".
ولم يصدر إعلان رسمي مصري بالموافقة على الكنيسة التي دشنها الأنبا مكسيموس، إلا أن أوساطا قبطية تؤكد أن هناك اعترافا ضمنيا رسميا بها تجسد في السماح للأنبا مكسيموس بمزاولة نشاطه علنا ومخاطبة وسائل الإعلام وبناء مقر لكنيسته.
ودعا ساويرس المسيحيين في مصر والشرق الأوسط إلى عدم الاعتداد بقرار ماكسيموس، وقال: "ما يحدث أمر خطير لا يمكن السكوت عليه". ويتراوح عدد الأقباط في مصر ما بين 6 و10 في المائة من عدد السكان البالغ نحو 76 مليون نسمة.
وفي تصريح لإسلام أون لاين.نت، يرى أحمد عز العرب عضو الهيئة العليا لحزب الوفد المعارض والمحلل السياسي أنه "لم يعد سرًّا أن اليمين الأمريكي الحاكم في واشنطن لديه مخطط يسعى لتنفيذه للسيطرة الاستعمارية على المنطقة بتفتيتها إلى دويلات على أساس طائفي وعرقي وهو المخطط الذي يجري تنفيذه حاليا في العراق كبداية".
ويشير إلى أن المخطط بالنسبة لمصر تقسيمها لأربعة أقسام هي: "دويلة مسلمة في الشمال تبدأ من محافظة المنيا (240 كم جنوب العاصمة) حتى البحر المتوسط، ودويلة قبطية من أسيوط (360 كم جنوب القاهرة) حتى شمال أسوان (900 كم جنوب القاهرة)، ودويلة نوبية من أسوان حتى حدود مصر الجنوبية".
ويذكر عز العرب أن "القسم الرابع يتعلق بسيناء التي خططوا لها أولا أن تعود لإسرائيل ثم يبدو أن هناك تعديلاً للخطط حاليا بتقسيمها بين مصر والفلسطينيين بضم جزء منها لقطاع غزة حتى تكون للدويلة الفلسطينية المزمع إنشاؤها فرصة أكبر للتحقق".
ويؤكد عز العرب أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذا التقسيم إلى أن تتخلص من الصراع العربي-الإسرائيلي الذي سيتحول في هذه الحالة إلى صراع مصري-فلسطيني.
ويشير إلى قرارات مؤتمر أقباط المهجر الأخير الذي عقد بمبنى الكونجرس في واشنطن تحت رعاية الحكومة الأمريكية، حيث وقف أحد الحاضرين، يدعى "آدم أدول" ونصب نفسه زعيما للشعب النوبي في مصر.
إيقاف "العبث"
ويؤيد سمير مرقص -باحث مصري– المعلومات التي طرحها "عز العرب" مشيراً إلى ضرورة أن تتكاتف كل القوى المصرية لوقف هذا "العبث" الذي يطال الكنيسة، مؤكدا أن الموضوع أعمق من أن يكون خلافا دينيا أو انشقاقا طائفيا.
ورأى في تصريح لإسلام أون لاين.نت أن "الولايات المتحدة وضعت خطة لتفتيت المنطقة بدأت بتفتيت الكنيسة المصرية".
وأضاف أن "واشنطن منذ أن أصدرت قانون حرية الأديان العابر للحدود عام 1998، وهي تستخدم المادة رقم 107 من القانون في الضغط على الحكومات التي لا تنصاع لها في هذا الأمر".
وتنص المادة على وقف التعامل بين حكومة الولايات المتحدة والحكومات الأخرى التي تضع قيودا على حرية الأديان.
وحذر سمير مرقص من مرور مشروع كنيسة مكسيموس؛ لأنه "يمس مكونات ومشاعر الجماعة الوطنية المصرية"، على حد قوله.
ويؤكد أن هذا الموقف يجب أن يتخذ، ليس دفاعا عن الكنيسة، ولكن عن وحدة مصر، حيث "تعتبر الكنيسة هي أقدم كيان شعبي مستمر منذ 2000 عام، ومحاولة التشكيك بها تعني أن تفكيك مصر في غاية السهولة".
ودعا إلى تقوية أهم مؤسستين -من وجهة نظره- في مصر وهما الأزهر والكنيسة المصرية باعتبارهما مؤسستين وطنيتين يجب أن يظلا متماسكين كرصيد يحافظ على مصر كدولة وجماعة وطنية، مشيراً إلى دورهما في صيانة الأمة وقت الأزمات.
وترى الدكتورة جورجيت قللييني عضو مجلس الشعب (البرلمان) أن الولايات المتحدة تسعى إلى تنفيذ مخطط لشق مصر وتفتيتها إلى طوائف، كما حدث في السودان حيث فصل شماله عن جنوبه، وحذرت النائبة الناشطة في حقوق الإنسان من "دخول الطائفية إلى البلاد كما عرفتها لبنان وأدت إلى حروب أهلية".
وألقت النائبة بالمسئولية على الحكومة في مواجهة هذا الأمر، مبينة أنه "ليس من المعقول أن كل من يريد بناء كنيسة يحصل على ترخيص بها بهذه السهولة".
وكان الأنبا مكسيموس قد أعلن رسميًّا إنشاء المجمع المقدس الجديد للمسيحيين الأرثوذكس في مصر والشرق الأوسط وسط حضور إعلامي مكثف وفي حضور الدكتور جهاد عودة عضو لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم.
وبدأ الأنبا مكسيموس عمله الأحد 2-7-2006 برسامة أسقفين أحدهما لأبرشية مصر الجديدة ومدينة نصر وشمال الدلتا، والآخر لجنوب القاهرة والصعيد، وأعلن أن هذه مجرد بداية لإنشاء أبرشيات في كل من مصر والشرق الأوسط.
وأضاف أن أحدا لا يستطيع وقف نشاطه، وأنه "لا أمل في إصلاح الحال إلا من الخارج، ولا سلطة لقداسة البابا شنودة عليه